فصل: الشاهد الثاني والعشرون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن استبداد ابن غمر ببجاية:

لم يزل ابن غمر مستبدا على السلطان في حجابته يرى أن زمامه بيده وأمره متوقف على إنفاذه وصار يغريه ببطانته فيقتلهم ويغرمهم وربما كان السلطان يأنف من استبداده عليه وداخله بعض أهل قسنطينة سنة ثلاث عشرة وتسعمائة في اغتياله ابن غمر فهموا بذلك ولم يتم ففطن لها ابن غمر فأوقع بهم وقسمهم بين النكال والعذاب فرقا ثم رجع السلطان إلى بجاية سنة ثلاث عشرة وسبعمائة لما أهمهم من حصاره اتصلت حاله معه على ذلك النحو من الاستبداد إلى أن بلغ السلطان أشده وأرهف حده وسطا محمد بن فضل فقتلهم في خلوة معاقرته من غير مؤامرة الحاجب وباكر ابن غمر مقعدة بباب دار السلطان فوجد شلوه ملقى في الطريق مضرجا في ثيابه وأخبر أن السلطان سطا به فداخله الريب من استبداد السلطان وإرهاف حده وخشي بوادره وتوقع سعاية البطانة وأهل الخلوة فتحيل في بعده عنه واستبداده بالثغر دونه فأغراه بطلب أفريقية من يد ابن اللحياني وجهزه بما يصلح من الآلة والفساطيط والعساكر والخدام ورتب له المراتب وارتحل السلطان إلى قسنطينة سنة خمس عشرة وسبعمائة ثم تقدم غازيا إلى بلاد هوارة وأجفل عنها ظافرا بهم وكان قائدها من مواليهم فاستوفى جباية هوارة وقفل إلى قسنطينة سنة ست عشرة وسبعمائة واستبد ابن غمر ببجاية ومدافعة العدو من زناتة عنها.
واستخلف على حجابة السلطان محمد بن قالون وقرت عينه بما كان يؤمل من استبداده إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن سفر السلطان أبي يحيى اللحياني إلى قابس وتجافيه عن الخلافة:

كان هذا السلطان أبو يحيى اللحياني قد طعن في السن وكان بصيرا بالسياسة مجربا للأمور وكان يرى من نفسه العجز عن حمل الخلافة واستحقاقها مع أبناء الأمير أبي زكريا الأكبر وعلم مع ذلك استفحال صاحب الثغور الغربية الأمير أبي بكر واستغلاظ أمره بمن انتظم في ملكه وارتسم في ديوان جنده من أعياص زناتة وفحول شولهم من توجين ومغراوة وبني عبد الواد وبني مرين كانوا يفزعون إليه مع الأيام عن ملوكهم خشية على أنفسهم ولما قاسموهم في النسب وساهموهم في يعسوبية القبيل وفحولية الشول ومنهم من غلبوا على مواطنهم فملكوها عليهم مثل مغراوة وبني نوجين وملكيش فاستكشف بذلك جند السلطان وكثرت جموعه وهابه الملوك.
ونهض سنة ست عشرة وسبعمائة إلى أفريقية وجال في بلاد هوارة وأخذ جبايتها كما ذكرنا فتوقع السلطان ابن اللحياني زحفه إليه بتونس وكانت أفريقية مضطربة عليه وكان تعويله في الحامية والمدافعة على أوليائه من العرب تولى منهم حمزة بن علي بن عمر بن أبي الليل فحكمه في أمره وأشركه في سلطانه وأفرده برياسة العرب وأجره الرسن وسرب إليه الأموال وكثر بذلك زبون العرب واختلافهم عليه فاجتمع على التقويض عن أفريقية ونفض اليد من الخلافة فجمع الأموال والذخيرة وباع ما كان بمودعاتهم من الآنية والفرش والخرثي والماعون والمتاع حتى الكتب التي كان الأمير أبو زكريا الأكبر جمعها واستجاد أصولها ودواوينها أخرجت للوارقين فبيعت بدكاكين سوقهم فجمع من ذلك زعموا قناطير من الذهب تجاوز العشرين قنطارا وجوالقين من حصى الدر والياقوت وخرج من تونس إلى قابس موريا بمشارفة عملها فاتح سنة سبع عشرة وسبعمائة بعد أن رتب الحامية بالحضرة وباجة والحمامات واستخلف بالحضرة أبا الحسن بن وانودين وانتهى إلى قابس فأقام بها وصرف القمال في جهاتها إلى أن كان من بيعة ولده بتونس كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن نهوض السلطان أبي بكر إلى الحضرة ورجوعه إلى قسنطينة:

لما رجع السلطان من هوارة إلى قسنطينة سنة ست عشرة وسبعمائة كما قدمناه استبلغ في جهاد حركة أخرى إلى تونس فاحتشد وقسم العطاء وأزاح العلل واعترض الجنود على طبقاتهم من زناتة والعرب وسدويكش واستخلف على قسنطينة الحاجب محمد بن القالون وبعث إلى حاجبه الأعظم أبي عبد الرحمن بن عمر بمكانه من إمارة بجاية في مدد المال للنفقات والأعطيات فبعث إليه المنصور بن فضل بن مزني عامل الزاب وكان ابن عمر لما رأى من كفايته وأنه جماعة للمال استضاف له عمل جبل أوراس والحصنة وسدويكش وعياض وسائر أعمال الضاحية فكانت أعمال الجباية كلها لنظره وأموالها في حساب دخله وخرجه فبعثه ابن عمر ليقيم إنفاق السلطان واستخلفه على خطة حجابته وارتحل السلطان من قسنطينة في جمادي سنة سبع عشرة وسبعمائة يطوي المراحل ولقيه في طريقه وفود العرب وانتهى إلى باجة مستغيثا حاميتها إلى تونس.
وكان السلطان أبو يحيى اللحياني قد خرج عنها إلى قابس كما قدمناه واستخلف عليها أبا الحسن بن وانودين وبعث إليه بنهوض السلطان أبي بكر إلى تونس وأنه محتاج إلى المدافعة فاعتذر لهم اللحياني بما قبله من الأموال وأطلق يدهم في الجيش والمال فأركبوا واستحلقوا ورتبوا الديوان وأخرجوا ابنه محمدا ويكنى أبا ضربة فأطلقوه من اعتقاله.
ولقيهم الخبر بإشراف السلطان أبي بكر على باجة فخرجوا جميعا من تونس وخالفهم إلى السلطان مولاهم ابن عمر بن أبي الليل كان مضطغنا على الدولة متربصا بها لما كان اللحياني يؤثر عليه أخاه حمزة فلقي السلطان في دوين باجة فأعطاه صفقته واستحثه ووصل إلى تونس فنزل روض السنافرة من رياض السلطان في شعبان من سنة سبع عشرة وسبعمائة وخرج إليه الملأ وترددوا في البيعة بعض الشيء انتظارا لشأن أبي ضربة وأصحابه وكان من خبرهم أن السلطان لما أغذ السير من باجة بادر حمزة بن عمر إلى بطانة اللحياني وأوليائه بتونس فلقيهم وقد خرجوا عنها فأشار عليهم ببيعة أبي ضربة ابن السلطان اللحياني ومزاحفة القوم به فبايعوه وزحفوا إلى لقاء السلطان.
ودس حمزة إلى أخيه مولاهم أن يزحف بالمعسكر فأجفل السلطان عن مقامته بروض السنافرة لسبعة أيام من احتلاله قبل أن يستكمل البيعة وارتحل إلى قسنطينة ورجع عنه مولاهم من تخوم وطنه وسرح منصور بن مزني إلى ابن عمر بباجة ودخل أبو ضربة بن اللحياني والموحدون إلى تونس منتصف شعبان من سنته وبويع بالحضرة البيعة العامة وتلقب المستنصر وأراد أهل تونس على إدارة سور بالأرباض فيكون سياجا عليها فأجابوه إلى ذلك وشرع فيه وأوهنه العرب في مطالبهم واشتطوا عليه في شروطهم إلى أن عاود مولانا السلطان حركته كما نذكر إن شاء الله تعالى.